60 عاما على هجرتهم الجماعية.. هكذا رحل اليهود المغاربة إلى إسرائيل
ينظم اليهود المغاربة طيلة الشهر الجاري، في عدد من المدن والمستوطنات داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، احتفالات عديدة بمناسبة مرور 60 عاما على هجرتهم الجماعية من بلدهم الأصلي، المغرب، يسترجعون فيها معاناتهم مع تلك الهجرات، ويستذكرون وطنهم الأم الذي فقدوه، بسبب اضطهاد ممنهج كانت ورائه المنظمات الصهيونية في أغلب الحالات.
وأنجزت صحيفة "The Jerusalem Post" تقريرا مطولا عن اليهود المغاربة في إسرائيل، ودورهم الفعال الذي أصبح داخل هذا الكيان، حيث أصبح عددهم يفوق مليون يهودي مغربي، ويشكلون ثاني تجمع في إسرائيل بعد اليهود الذين أتوا من دول الكومنولث.
ويركز التقرير على الهجرات الفردية الأولى لليهود المغاربة إلى فلسطين، ثم الهجرات الجماعية التي جاءت بعد تغير مجريات الأحداث في العالم، خاصة خلال فترة الحرب العالمية الثانية التي ألقت بضلالها عليهم في المغرب، وأدت إلى هجرات جماعية بعد ذلك
الهجرات الأولى إلى فلسطين
وفق تقرير "ذا جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فإن هجرات اليهود المغاربة إلى فلسطين لم تبدأ بعد إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين، بل سبق ذلك بعقود طويلة، لكنها كانت بنسب قليلة، وأغلبها هجرات لعائلات معدودة.
وحسب ذات التقرير، فإن ما بين سنة 1908 و 1918، حوالي 80 عائلة يهودية مغربية، هجرت من المغرب إلى طبريا والقدس في فلسطين، بسبب ما ادعت الصحيفة تعرضهم للتضييق خلال أدائهم لواجباتهم الدينية، رغم أن المغرب كان يكفل لليهود حقوقهم للممارسة شعائرهم بكل حرية.
وأشار تقرير الصحيفة المعنية، فإن أغلب الهجرات اليهودية من المغرب إلى فلسطين في السنوات التي سبقت توقيع معاهدة الحماية الفرنسية في 1912 على المغرب، كانت من المدن الكبرى، مثل فاس ومراكش والرباط.
تأثير الإستعمار الفرنسي والحرب العالمية الثانية
تقول الصحيفة الإسرائيلية في تقريرها، إن اليهود المغاربة في بداية الاستعمار الفرنسي للمغرب، لم يكونوا يعانون من أي تضييق، بل تم تشجيعهم على إدخال أبنائهم المدارس الفرنسية، لكن كل ذلك سيتغير في سنة 1940، بعدما استولى النازيون الألمان على الحكم في فرنسا، وولوا فيتشي حاكما على فرنسا يُطبق إجراءاتهم القمعية ضد اليهود.
وبما أن المغرب كان تحت الاستعمار الفرنسي، وفرنسا تحت قبضة فيتشي، فإن الفرنسيين غيروا معاملتهم مع اليهود المغاربة، ولولا أن السلطان المغربي محمد الخامس وقف ضد الإدارة الفرنسية المستعمرة، لكان حوالي 250 ألف يهودي مغربي تم إرسالهم إلى مركز الاعتقال.
وتضيف الصيحفة، بالرغم من وقوف محمد الخامس ضد حكومة فيتشي لصالح اليهود، إلا أنه أُّجبر على التوقيع على معاهدات تمييزية ضد اليهود المغاربة، من قبيل عدم تمكينهم من الاشتغال في وظائف معينة، وعدم إدخالهم لبعض المدارس.
وبعد إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين ما بين 1947 و 1948، وتزايد التضييق على اليهود في المغرب، بدأ اليهود المغاربة يهاجرون بشكل جماعي إلى فلسطين، بتشجيع من المنظمات الصهيونية التي كانت تنشط في هذا المجال، بالترغيب والترهيب.
ومما زاد من الهجرات الجماعية إلى فلسطين في هذه الفترة، هزيمة العرب في سنة 1947 أمام إسرائيل، وتزايد العداء اتجاههم، وأشارت الصحيفة الإسرائيلية، إن 44 يهوديا ذُبحوا في مناطق متفرقة في المغرب انتقاما بعد هزيمة العرب في حرب 1947.
وأمام هذا الوضع المحتقن، رحل عن المغرب خلال السنوات الخمس التي تلت نشوء الكيان الإسرائيلي في فلسطين، 300 ألف يهودي مغربي، وكانت على شكل هجرات جماعية قانونية دون أي اعتراض.
الاستقلال.. وبيع الحسن الثاني لليهود
تقول "ذا جيروزاليم بوست" إن هجرة اليهود المغاربة إلى الكيان الإسرائيلي ازدادت بعدما كانت فرنسا تتجه لمنح الاستقلال إلى المغرب، وكانت هجرات تسير بشكل علني وطبيعي، لكن بعد استقلال المغرب، وانضمام المغرب إلى جامعة الدول العربية في سنة 1958، أصبحت هجرات اليهود المغاربة إلى إسرائيل ممنوعة وغير قانونية.
وتضيف الصحيفة المذكورة في هذا السياق، أن نشاط تهريب اليهود من المغرب بدأ ينتعش في هذه الفترة، لكنه سجل واحدة من مأسي هجرات اليهود المغاربة، بعد حادثة غرق سفينة "إيجوز" التي أبحرت سرا من الحسيمة في اتجاه فلسطين وعلى متنها 43 يهوديا مغربيا، لقوا حتفهم جميعا بين المغرب وإسبانيا.
أشارت الصحيفة في هذا السياق، إن حوالي 60 ألف يهودي مغربي نجحوا في الهجرة سرا من المغرب إلى إسرائيل من الاستقلال إلى غاية 1961، أي إلى غاية اعتلاء الملك الحسن الثاني عرش المملكة المغربية، لتبدأ مرحلة أخرى من هجرات اليهود المغاربة.
في هذا السياق، قالت "ذا جيروزاليم بوست" إن الملك الحسن الثاني سمح بهجرة 120 ألف من اليهود المغاربة إلى إسرائيل، بعدما تلقى مكافأة عن كل يهودي يسمح له بالهجرة، مضيفة أن احصائيات الاتحاد العالمي لليهود المغاربة أحصى هجرة 300 ألف يهودي من المغرب إلى إسرائيل منذ بداية الستينات.
اليهود المغاربة.. قوة في إسرائيل
حسب تقرير الصحيفة الإسرائيلية، فإن اليهود المغاربة أسسوا 111 مستوطنة بعد هجرتهم إلى فلسطين، وقد تحولت بعض تلك المستوطنات إلى مدن كبرى اليوم.
وأضاف التقرير، إن اليهود المغاربة يشكلون قوة في إسرائيل اليوم، وهم ثاني تجمع عرقي هناك، ويفوق عددهم مليون شخص، ولهم تمثيل واسع في الكنيست الإسرائيلي، وممثلين في جميع القطاعات والشركات.
ويسترجعون هذه الأيام ذكريات هجراتهم الفردية والجماعية من المغرب إلى فلسطين، عبر عدد من الاحتفالات، كما يخلدون ذكرى مأساة غرق سفينة "إيجوز" ويترحمون على رحيل عدد من أفراد أسرهم في تلك المأساة.
ورغم أن الصحيفة ركزت على معاناة اليهود مع الهجرة وما تعرض له اليهود المغاربة من مأسي خلال تلك الهجرات، إلا أنها أغفلت الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته المنظمات الصهيونية في تلك المأسي، وكيف أرهبت تلك المنظمات اليهود المغاربة من أجل إجبارهم على الهجرة من وطنهم الذي كانوا يعيشون فيه بسلام، إلى فلسطين، من أجل الزج بهم في حرب احتلال الأراضي الفلسطينية التي لازال صراعها مستمرا إلى اليوم.